مواضيع المدونة

الأربعاء، نوفمبر 27، 2013

من دعاني فقد أدى حق عبوديته ومن أنصف نفسه فقد أنصفني

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله


قال ابن عربي قدس سره في كتاب الفتوحات المكية الجزء الرابع الباب الخامس عشر وأربعمائة في معرفة منازلة من دعاني فقد أدى حق عبوديته ومن أنصف نفسه فقد أنصفني:
 إذا ما دعوت الله من غير أمره * فلست له عبد أو ما أنصف العبد
 وأصبحت عبدا للحظوظ وما لنا * وفاء ولا عهد وقد ثبت العهد
ولولا قيام العبد في عهد ربه * لما صح أوفوا بالعقود ولا وعد
 وليس سوى التكليف قربا مخصصا * يعينه أمر ويثبته عقد
 وقامت حقوق الحق من كل جانب * علينا ولولا القرب ما عرف البعد
 فمن أنصف الأكوان أنصف ربه * وكان له في ذات خالقه الخلد
 وصح له مجد تليد وطارف * وكان له بين الملائكة الحمد 
إلا إنما العبد الذي لم يزل به * يموت ويحيا والوقوف له حد
 وما كلف الرحمن نفسا سوى الذي * تقوم به فاجهد فقد ينفع الجهد
 فمن قام بالرحمن كان له الجد * ومن قام للرحمن كان له الجد
 وخصص بالآيات في عين نفسه * وآفاقه فاحمد بما حمد الحمد
 قال الله تعالى: ادعوني أستجب لكم وقال: إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين..
 فوصفهم بأنهم لا يخرجون عن العبودية وأن الذلة حقيقتهم وهو قوله داخرين فمن لم يرد أن يكون عبدا لي كما هو في نفس الأمر فإنه سيكون عبد الطبيعة التي هي جهنم ويذل تحت سلطانها كما هو ليس هو في نفس الأمر فترك العلم واتصف بالجهل فلو علم لكان عبدا لي وما دعا غيري كما هو في نفس الأمر عبد لي أحب أم كره وجهل أو علم وإذا كان عبدا لي بدعائه إياي ولم يتكبر في نفسه أن يكون عبد إلى عند نفسه أعطيته التصريف في الطبيعة فكان سيدا لها وعليها ومصرفا لها ومتصرفا فيها وكانت أمته فانظر ما فاته من العز والسلطان من استكبر عن عبادتي ولم يدعني في السراء وكشف الضر تعبدته الأسباب فكان من الجاهلين ومما يؤيد أن الحق عين قوى العبد فالتصريف له لأن العبد لا تصرفه إلا قواه ولا يصرفه إلا الحق فقواه عين الحق دليلنا ما قالته الرسل سلام الله عليهم في ذلك فأخبر محمد صلى الله عليه وآله عن الله أنه قال: كنت سمعه وبصره ويده يعني العبد إذا تقرب إليه بالنوافل حتى يحبه وذكر قواه التي تصرفه ونزل في القرآن تصديق هذا القول وهو قوله: والله خلقكم وما تعملون والعمل ليس لجسم الإنسان بما هو جسم وإنما العمل فيه لقواه وقد أخبر أن العمل الذي يظهر من الإنسان المضاف إليه أنه لله خلق فالحق قواه وأما موسى فأخذ العالم في ماهية الحق لما دعا فرعون إلى الله رب العالمين فقال له فرعون: وما رب العالمين يسأله عن الماهية فقال له موسى ع: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين يقول إن استقر في قلوبكم ما يعطيه الدليل والنظر الصحيح من الدال فأخذ موسى ع العالم في التعريف بماهية الحق والرسل عندنا أعلم الخلق بالله فقال فرعون وقد علم إن الحق مع موسى فيما أجابه به إلا أنه أوهم الحاضرين واستخفهم لأن السؤال منه إنما وقع بما طابقه الحق وهو قوله: وما رب العالمين فما سأله إلا بذكر العالمين فطابق الجواب السؤال فقال فرعون لقومه ألا تستمعون أسأله عن الماهية فيجيبني بالأمور الإضافية فغالطهم وهو ما سأل إلا عن الرب المضاف فقال له موسى ربكم ورب آبائكم الأولين فخصص الإضافة لدعوى فرعون في قومه إنه ربهم الأعلى فقال فرعون إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون أي قد ستر عنه عقله لأن العاقل لا يسأل عن ماهية شئ فيجيب بمثل هذا الجواب فقال له موسى لقرينة حال اقتضاها المجلس ما قال إبراهيم ع لنمرود رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ولو لم يقل هنا وما بينهما لجاز لأنه ليس بينهما شئ وذلك لأن عين حال الشروق في ذلك الحيز هو عين استواءها هو عين غروبها فكل حركة واحدة منها في حيز واحد شروق واستواء وغروب فما ثم ما ينبغي أن يقال ما بينهما لكنه قال وما بينهما لغموضه على الحاضرين فإنهم لا يعرفون ما فصلناه في إجمال وما بينهما فجاء بالمشرق والمغرب المعروف في العرف ثم قال لهم  إن كنتم تعقلون فأحالهم على النظر العقلي فما عرف الحق إلا بنا ولا وجد الخلق إلا به
 فمنه إلينا ومنا إليه * فيثني علينا ونثني عليه
 وكذا ذكر إبراهيم ع الذي ذكر الله عنه أنه آتاه الحجة على قومه وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض فما ذكره إلا بالعالم فالعالم ظاهره خلق وباطنه حق ومن حكم باطنه يتصرف وما يؤثر في باطنه التصرف إلا تصرف في ظاهر من باطن فما تصرف في باطنه الذي هو الحق إلا الحق لا غير فتصريفه حكم عليه بالتصريف فالصورة الظاهرة مماثلة للصورة الباطنة حتى إن بعض المتكلمين ذهب في كتابة القرآن وفي تلاوته المحدثة أن لكل حرف يكتبه الكاتب من القرآن أو يتلوه التالي من القرآن في ذلك الحرف المنطوق به الحادث أو المكتوب حرف مثله هو قديم واضطره إلى ذلك كون الحادث لا يستقل في وجوده فلا بد من استصحاب القديم له وهذا مذهب رئيس من رؤساء المعتزلة ثم إن هذا القديم إن لم يكن على صورة ما خرج عنه وظهر وهو الحادث وإلا فليس هو له ولذلك كان العالم على صورة الحق وكان الإنسان الكامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله إن الله خلق آدم على صورته فليس في الإمكان أبدع ولا أكمل من هذا العالم إذ لو كان لكان في الإمكان ما هو أكمل من الله فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته وأكمل من صورة الحق فلا يكون وذلك أن ظهور العالم عن الحق ظهور ذاتي فالحق مرآة للعالم ظهر فيها صور العالم فرأت الممكنات نفسها في مرآة الحق الوجود فتوقفت في الوجود عليه وتوقف في العلم به على العلم بها
فلم يكن إلا بها * ولم تكن إلا به
 فما لها من مشبه * وما له من مشبه
 يا غافلا عن قولنا * فكن بها تكن به
 فإذا كان الأمر كما ذكرناه فمن أنصف نفسه وأعطاها حقها فإنما أنصف الحق وأعطاه حقه لأنه أفرد نفسه بما يستحقه وأفرد ربه بما يستحقه ومن تميز عن شئ فما هو عينه ولا مثله فيما تتميز به عنه لكنه مثله في كونه تميز فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل واجعل بالك في كل منظوم في أول كل باب من أبواب هذا الكتاب فإنه يتضمن من علوم ذلك الباب على قدر ما أردت أن أنبه فيه عليها تجد في النظم ما ليس في الكلام في ذلك الباب فتزيد علما بما هو عليه ما ذكرته في النظم وعلى الله قصد السبيل

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق