مواضيع المدونة

الأربعاء، أكتوبر 03، 2012

هل كان النبي (صلى الله عليه وآله) أجيرا لخديجة أو مضاربا؟


هل كان النبي (صلى الله عليه وآله) أجيرا لخديجة أو مضاربا؟


ولئن كان ما افتتحنا به الفصل من خبر (الخرائج) عن جابر لا يعين نوع المعاملة وانما يقول " يتجر الرجل لها ويأخذ وقر بعير مما أتى به " مما هو أعم من الإجارة والوكالة والمضاربة، فان ما جاء في التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عن أبيه الهادي (عليهما السلام) يصرح بذلك فيقول: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يسافر إلى الشام مضاربا لخديجة بنت خويلد (2) وكذلك ابن إسحاق يقول " كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات مال وشرف، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشئ تجعله لهم منه " (3).
وعلى هذا فقد يكون سفره (صلى الله عليه وآله) إلى الشام لا لكونه أجيرا لخديجة،


(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): ١٦ كما في البحار ١٧: ٣٠٨.
(٣) سيرة ابن هشام ١: ١٩٩ ورواه عنه الطبري ٢: ٢٨٠ وعنه الجنابذي الحنبلي في معالم العترة النبوية كما في كشف الغمة ٢: ١٣٤. وعلق المحقق في سيرة ابن هشام يقول: المضاربة المقارضة. وقال الإمام الخميني في تحرير الوسيلة 1: 608 " وتسمى المضاربة قراضا، وهي عقد واقع بين شخصين على أن يكون رأس المال في التجارة لأحدهما والعمل من الآخر، ولو حصل ربح يكون بينهما " ولعل الأمر قد التبس على المحقق.









بل مضاربا بأموالها.
ومجمل القول: إن رواية اليعقوبي عن عمار بن ياسر تنفي أن يكون النبي أجيرا لأحد حتى خديجة، كما تنفي أن يكون قد رعى الغنم لأحد من المكيين، كما ادعي عن أبي هريرة.
والعمل لا يتنافى مع العبقريات والنبوات، ولا يضع من شأن الانسان مهما كان، بل هو من أفضل الطاعات إذا كان في سبيل العيال والأولاد وخير الناس، ولكن تأريخ محمد منذ ولادته إلى أن بلغ سن الرجولة وأصبح زوجا لخير امرأة عرفها تأريخ المرأة، ومواقف جده ثم عمه والمراحل التي عاش فيها معهما عزيزا موفور الكرامة، لا يفارقهما في ليل أو نهار، يبذلان في سبيل راحته واطمئنانه الغالي والنفس، من تتبع ذلك وأدرك أنهما منذ طفولته كانا يترقبان له مستقبلا يهز العالم من أقصاه إلى أقصاه ويحدث تحولا في تأريخ البشرية، وأنهما كانا يخافان عليه دعاة الأديان وطواغيت العرب.. لابد وأن يقف على أقل التقادير موقف المشكك من تلك المرويات التي تنص على أ نه كان يرعى الغنم للمكيين بالقراريط، ويذهب بعد ذلك أجيرا إلى الشام في تجارة خديجة بقسم من الأرباح، سيما بعد رواية اليعقوبي عن عمار بن ياسر أ نه لم يكن أجيرا لأحد من الناس، وأن زواجه من خديجة لم يكن مسبوقا بمعاملة بينهما، بل كان بناء على رغبتها بعد أن وجدت فيه الرجل الذي يمكن أن ترتاح إليه، وقد بلغت الأربعين، وأشراف قريش يطمعون في زواجها بالطمع في ثرائها. أما محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) فقد وجدت فيه حسب المعلومات التي توفرت لديها عنه ضربا آخر من الرجال لا تستغويه متعة الدنيا، فطلبته إلى نفسها وأرسلت إليه من يشجعه على خطبتها من عمها أو ابن عمها.




وليس بغريب على المرأة الفاضلة كخديجة أن تطلب لنفسها محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وتفضله على سادة مكة وأشرافها، فلقد كان في القمة في صفاته التي لم يعرف العرب لها مثيلا ماضيهم وحاضرهم. واجتهد خصومه أن يجدوا في حياته ولو نزوة تخدش تأريخه المجيد، أو مغمزة منه لنيل جاه أو اصطياد ثروة أو انحراف مع غرائز الشباب التي تثور وتتمرد أحيانا على العقل والخلق والحكمة، فلم يجدوا شيئا من ذلك. وكان قد جمع إلى ذلك من صباحة الوجه وجمال التركيب ما لم يتوفر في أحد سواه كما وصفوه:
فقد جاء في رواية عمرو بن شمر عن جابر أ نه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر صف لي رسول الله. قال: كان نبي الله أبيض الوجه مشربا بحمرة، أدعج العينين، مقرون الحاجبين، شثن الأطراف كأن الذهب افرغ على براثنه، عظيم مشاشة المنكبين. إذا التفت التفت جميعا من شدة استرساله. سربته سائلة من لبته إلى سرته كأنها وسط الفضة المصفاة، وكأن عنقه إلى كاهله إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شرب الماء أن يرد الماء. وإذا مشى تكفأ كأنه ينزل من صبب، لم ير مثل نبي الله قبله ولا بعده (1).
إذن، فليس بغريب إذا خطبته خديجة لنفسها، وظلت تشاطره آلامه وتناصره بقلبها وعقلها ومالها حتى لحقت بربها قبل هجرته إلى المدينة بسنة أو سنتين عن خمسة وستين عاما (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الكافي ١: ٤٤٣.
(2) انظر سيرة المصطفى: 62، 63.


أوهام واهية:
ولكن ليس معنى هذا أن نصدق ما نقله الحلبي في سيرته: أ نه دخل على خديجة قبل التزويج، فأخذت يده فضمته إلى صدرها! (1) كما لا نشك في كذب ما نقله: أن عمها كان يأنف من أن يزوجها من محمد يتيم أبي طالب فاحتالت عليه هي حتى سقته الخمر، فزوجها في حال سكره، فلما أفاق ووجد نفسه أمام الأمر الواقع لم يجد بدا من القبول (2) مما يتناقض وأخلاق الرسول الكريم وخديجة أم المؤمنين، ولا نراه الا كذبا موضوعا لم يقصد به سوى الحط والوضع من كرامة النبي الكريم وتنقيصه من قبل أعداء الاسلام أو الحمقى والمغفلين. ونعوذ بالله من هذا الهراء (3).
وان كون خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي، وأنه لم يكن هو الذي تقدم بطلب يدها، لخير جواب لما جاء في كلمات بعض المستشرقين من اتهام باطل بأنه (صلى الله عليه وآله) انما تزوج خديجة طمعا في مالها.
ولم يبق هذا التقدير والحب من خديجة للنبي من طرف واحد، بل قابله النبي بالحب والتقدير لها في أيام حياتها وبعد مماتها، حتى لقد كان ذلك يثير بعض أزواجه. ويرى الشيخ آل ياسين هذا دليلا آخر على بطلان هذه الدعوى الواهية (4).

(١) السيرة الحلبية ١: ١٤٠.
(٢) السيرة الحلبية ١: ١٣٨، 140.
(3) انظر الصحيح للسيد المرتضى 1: 117 - 119.
(4) كتاب النبوة: 63.






بل إن حياة النبي من بدايتها إلى نهايتها لخير شاهد على أ نه ما كان يقيم للمال أي وزن! وقد أنفقت خديجة أموالها برغبتها في سبيل الله والدعوة إلى دينه وليس على النبي وملذاته.
وهكذا تفعل الحرة العاقلة اللبيبة كما فعلت خديجة، فلا تغرها بهرجة الدنيا وزخرفها وزبرجها، ولا تبحث عن المال والشهرة، ولا عن اللذة والشهوة.. وانما يكون نظرها إلى الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة، لأنها هي التي تسخر المال والجاه والقوة في سبيل الانسانية (1).

(1) انظر: الصحيح للسيد المرتضى 1: 119، 120.




عن كتاب:موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ١





ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق