مواضيع المدونة

الأحد، مايو 20، 2012

وصية ومناجاة بلسان من السنة الكمال

 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد

قال مولانا أبي المعالي القونوي في خاتمة كتابه مفتاح الغيب:



على الانسان ان يراقب الخواطر الأول ويجتمع عليها وعلى كل ظاهر أول، وإن كان محدث الاتيان والبروز، فتلك أيها الانسان مراقبتك ربك، التي متى لزمتها، لن يمر عليك وقت لا تكون فيه مراقبا له، وتعلم حالتئذ شؤون ربك فيك وفيما خرج عنك باعتبار مما يدركه من الكون بصرك وما يصل إليه فكرك وعقلك وما يشهد سبحانه في مشاهدك وما تطلع عليه من الغيوب في كونك أو حيث كان بك أو بربك أو بصفة جمعك.
ومن هنا تعرف حقيقة خواطرك، حقيتها وكونيتها، وهذا مع عدم الوقوف بالباطن - مع كل ما حصل لك وتعين كان ما كان وبأي طريق حصل ومن أي مرتبة حصل - وقوف تعشق وتصميم تصميما يقضى باستصحاب الحكم على نسق واحد زمانين في زعمك كما مر.


وقابل الجملة الوجودية والمرتبية علوا وسفلا، حقا وخلقا بالاعتبارين: اعتبار المحجوبين والمحققين بجملتك وحاذ بها بمعانيك ومغانيك محاذاة مثلك وزنا بوزن وحرفا بحرف، المتعين معرفته لك بالمتعين - مفصلا بمفصل ومجملا بمجمل - والمبهم بمثله كلية وجزئية، ولتكن هذه المسامتة بوجه جامع بين كل ما عدد من الأقسام وذكر وبين وبين ما أشير إليه، ومن جملة الامر الإحاطة والاطلاق عن حكم الحصر والتناهي، وسامت حضرة الهوية الإلهية الذاتية الغيبية المجهول النعت والوصف من حيث اطلاقها عن حصر النعوت والأسماء بحقيقتك التي شأنها المماثلة للهوية في كل احكامها وسائر نعوتها وكل ما ينضاف إليها أو ينتفى عنها - مع فنائك عنك وملاحظة عدمية مرآتيتك - فناء يحكم عليك به مرتبة الكمال - لا انك تقصده وتتوخاه - فان ذلك لا يصح ولا يصلح لمن شأنه ما مر.

وفي مقابلة المطلق والمجهول الغير المتعين نكتة تعرف بها وهو: ان يكون مسامتتك ومقابلتك لها بالضمن من حيث مقابلتك للحضرة الذاتية، فيحصل المقابلة للمجهول المطلق - لا على التعيين - مع السلامة من الغلط والتحريف من الوسط المحاذى كل جزء من اجزاء المحيط بذاته فقط، فلما لم يكن شئ خارج عن دائرة الحضرة الذاتية وصرت نقطتها، حاذيت كل شئ بذاتك وحكمت عليه بما يستدعيه مرتبته وحاله من صفاتك، وسلمت من كل انحراف ولم يفتك شئ من الشروط الواجبة الرعاية على الكمل دون تعمل، كنت صاحب الحال المذكور والمقام المنبه عليه أو مؤهلا له، سالكا إليه.
فتدبر ما سمعت واعرف نسبة حالك من هذا الحال والمقام المذكورين وصاحبهما وأثبت تحت حكم الوقت والحال.
واعتبر حكم ما ذكر وعموم سريانه في الأسماء والمواطن والحضرات والمقامات والمنازل والمنازلات والأصول الالية والاشخاص العلية.
وتأمل ما الذي قص حديثه عليك وبأي لسان قص وأي حديث هو وأي محدثه.
وانظر ما يلوح لك من وراء هذه الستارات وما يحوى عليه هذه الإشارات ترى العجب العجاب وتعرف ما الذي حير أولي الألباب، وهذا القدر كاف لمن شرب فطاب، وعلم الحكمة وفصل الخطاب.
ولنختم الكتاب بالمناجاة المشار إليها فنقول:
اللهم ان المحامد وغيرها من صفات الكمال ونعوت الجلال والجمال كلها راجعة إليك، والسنة حقائق العالمين ما بين طوع السعيدة المقبلة نحوك وكره الشقية - المعرضة في زعمها عنك - ناطقة بالثناء عليك، ذكرتها في نفسك، فظهرت قائمة بذكرك، امرتها بنفس اشعارها بما تريده منها، فأذعنت خاضعة لأمرك، وقهرتها بحيطتي علمك وقدرتك، فانقادت لحكمك، وأريت ما شئت منها ترتب حكمك عليها بحسب ما يستدعيه منك استعدادها، فاعترفت بعدلك. وغمرتها بالرحمة والاحسان الذاتيتين لا تعرف لهما موجبا من جهتهما، فعجزت عن نشر برك وفضلك، وعاينت قصورها عن القيام بحق حمدك وشكرك، فكمال افصاحها عن واجب ثنائك اعجام وتمام اعرابها عن كنه سرك ابهام، ومنتهى علمها بك الحيرة الكبرى في كل مشهد ومقام، وذلك لاستيلاء العجز والنقص عليها، وضعف قوتي ابصارها وبصائرها عن دق حجاب العزة والصون الذي بين يديها، فمن أصاب في فعل أو قول: فأنت الذي وفقته وسددته، ومن أخطأ طرق مراضيك: فأنت الذي حرمته وطردته، ان رغب أحد فيك أو فيما لديك: فبما ألهمت وزينت، وان وافقك من بعض الوجوه في علمك بنفسك وبالأشياء: فبما أوضحت له وبينت. سبحانك سبحانك نفر منك إليك ونعوذ بك منك ونعول في كل حال عليك، فلا تجعلنا من المجيبين لكل صائت، وكن لنا عوضا عن كل فائت، وتول كل أمر تضيفه إلينا بنفسك، ولا تحجبنا في كل ما تقيمنا فيه عن حضرات قدسك وحلاوة شهودك وانسك، آمنين عن كل ما لا يرضيك. آمين.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق