مواضيع المدونة

الخميس، مايو 10، 2012

عن إيقاظ الهمم في شرح الحكم لسيدي أبي العباس بنعجيبة قدس سره

 بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد

قال سيدي أبي العباس أحمد بنعجيبة الدرقاوي الشاذلي طريقة في كتابه إيقاظ الهمم في شرح الحكم ما نصه:




لما كان حسن العمل الظاهر وأتقانه الذي يكون به كماله ونقصانه إنما هو نتائج حسن الباطن وأحواله أشار إلى ذلك بقوله حسن الأعمال نتائج حسن الأحوال وحسن الأحوال من التحقق في مقامات الأنزال قلت الأعمال حركة الجسم بالمجاهدة والأحوال حركة القلب بالمكابدة والمقامات سكون القلب بالطمأنينة مثال ذلك مقام الزهد مثلاً فإنه يكون أولاً عمله مجاهدة بترك الدنيا وأسبابها ثم يكون مكابدة بالصبر على الفاقة حتى يصير حالاً
ثم يسكن القلب ويذوق حلاوته فيصير مقاماً وكذلك التوكل يكون مجاهدة بترك الأسباب ثم يكون مكابدة بالصبر على مرارة تصرفات الأقدار ثم يصير حالاً ثم يسكن القلب فيه ويذوقه فيصير مقاماً وكذلك المعرفة تكون مجاهدة بالعمل في الظاهر كخرق العوائد من نفسه ثم تكون مكابدة بالمعرفة والأقرار عند التعرفات ثم تصير حالاً فإذا سكنت الروح في الشهود وتمكنت صارت مقاماً فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب يعني أن الأحوال مواهب من الله جزاء لثواب الأعمال فإذا دام العمل وأتصل الحال صار مقاماً فالأحوال تتحول تذهب وتجيء فإذا سكن القلب في ذلك المعنى صار مقاماً وهو مكتسب من دوام العمل وأعلم أن المقام والحال لكل واحد علم وعمل فالمقام يتعلق به العلم أولاً ثم يسعي في عمله حتى يكون حالاً ثم يصير مقاماً وكذلك الحال يتعلق به العلم أولاً ثم العمل ثم يصير مقاماً حالاً والله تعالى أعلم فعلامة التحقق بمقامات الأنزال هو حسن الحال وعلامة حسن الحال هو حسن العمل فأتقان الأعمال وحسنها هو ثمرة ونتيجة حسن الأحوال وحسن الأحوال وأتقانها هو نتيجة التحقق بمقامات الأنزال أي التحقق بالأنزال في المقامات أو تقول حسن الأحوال دليل على التحقق بالمقامات التي ينزل الله عبده فيها وحسن الأعمال دليل على حسن الأحوال والتحقق بالحال والسكون في المقام أمر باطني ويظهر أثره في عمل الجوارح والحاصل أن حركة القالب تدل على صلاح القلب أو فساده لقوله صلى الله عليه وسلم أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب فإذا تحقق القلب بالزهد مثلاً وصار له حالاً أو مقاماً ظهر ذلك على جوارحه من الثقة بالله والأعتماد عليه وقلة الحركة عند الأسباب المحركة لقوله عليه السلام ليس الزهد بتحريم الحلال ولا بأضاعة المال إنما الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق مما في يدك وقال الصديق رضي الله عنه لأبي الحسن الشاذلي في النوم علامة خروج حب الدنيا من القلب بذلها عند الوجدو وجود الراحة منها عند الفقد، وعلامة التحقق بالأنزال في مقام التوكل السكون والطمأنينة عند محركات الأسباب وعلامة التحقق بالأنزال في مقام المعرفة هو الأدب ظاهراً وباطناً وحسن الخلق مع كل مخلوق ولذلك قال أبو حفص الحداد رضي الله عنه حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه اه وراجع ما تقدم من شرح قوله تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال ففيه زيادة شرح على هذا المحل والله تعالى أعلم وأفضل الأعمال التي يقطع بها المريد المقامات وأقربها هو ذكر الله ولذلك ذكره بأثره فقال لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر  مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عن ما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز قلت الذكر ركن قوي في طريق القوم وهو أفضل الأعمال قال الله تعالى أذكروني أذكركم وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا أذكروا الله ذكراً كثيراً" والذكر الكثير أن لا ينساه أبداً قال ابن عباس رضي الله عنهما كل عبادة فرضها الله تعالى جعل لها وقتاً مخصوصاً وعذر العباد في غير أوقاتها إلا الذكر لم يجعل الله له وقتاً مخصوصاً قال تعالى "أذكروا الله ذكراً كثيراً" وقال تعالى "فإذا قضيتم الصلاة فإذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم" وقال رجل يا رسول الله كثرت على شعائر الأسلام فأوصني بأمر أدرك به ما فاتني وأوجز فقال لا يزال لسانك رطباً بذكر الله وقال عليه السلام لو أن رجلاً في حجره دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل وقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما ذاك يا رسول الله قال ذكر الله وعن علي كرم الله وجهه قلت يا رسول الله أي الطرق أقرب إلى الله وأسهلها على عباد الله وأفضلها عند الله تعالى فقال يا علي عليك بمداومة ذكر الله فقال على كل الناس يذكرون الله فقال صلى الله عليه وسلم يا علي لا تقوم الساعة حتى لا يبقي على وجه الأرض من يقول الله فقال له على كيف أذكر يا رسول الله فقال له صلى الله عليه وسلم غمض عينيك وأسمع مني ثلاث مرات ثم قل مثلها وأنا أسمع فقال صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله ثلاث مرات مغمضاً عينيه ثم قالها على كذلك ثم لقنها علي للحسن البصري ثم الحسن لحبيب العجمي ثم حبيب لداوود الطائي ثم داوود لمعروف الكرخي ثم معروف للسري ثم السري للجنيد ثم أنتقلت إلي أرباب التربية فلا مدخل على الله إلا من باب الذكر فالواجب على العبد أن يستغرق فيه أوقاته ويبذل فيه جهده فإن الذكر منشور الولاية ولا بد منه في البداية والنهاية فمن أعطي الذكر فقد أعطي المنشور ومن ترك الذكر فقد عزل وأنشدوا

والذكر أعظم باب أنت داخلهلله فأجعل له الأنفاس حراساً
فبقدر ما يفني في الأسم يفني في الذات وبقدر ما يتفتر في الفناء في الأسم يكون متفتراً في الفناء في الذات فليلتزم المريد الذكر على كل حال ولا يترك الذكر باللسان لعدم حضور قلبه فيه بل يذكره بلسانه ولو كان غافلاً بقلبه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره لأن غفلتك عن ذكره أعراض عنه بالكلية وفي وجود ذكره أقبال بوجه ما وفي شغل اللسان بذكر الله تزيين جارحة بطاعة الله وفي فقده تعرض لأشتغالها بالمعصية قبل لبعضهم ما لنا نذكر الله باللسان والقلب غافل فقال أشكر الله على ما وفق من ذكر اللسان ولو أشغله بالغيبة ما كنت تفعل فليلزم الأنسان ذكر اللسان حتى يفتح الله في ذكر الجنان فعسى أن ينقلك الحق تعالى من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة أي أنتباه لمعاني الذكر عند الأشتغال به ومن ذكر مع يقظة إلى ذكر مع وجود حضور المذكور وأرتسامه في الخيال حتى يطمئن القلب بذكر الله ويكون حاضراً بقلبه مع دوام ذكره وهذا هو ذكر الخواص والأول ذكر العوام فإن دمت على ذكر الحضور رفعك إلى ذكر مع الغيبة عما سوي المذكور لما يغمر قلبك من النور وربما يعظم قرب نور المذكور فيغرق في النور حتي يغيب عما سوي المذكور حتي يصير الذاكر مذكوراً والطالب مطلوباً والواصل موصولاً وما ذلك على الله بعزيز أي بممتنع فقد يرفع في أعلى الدرجات من كان في أسفل الدركات وها هنا يسكت اللسان وينتقل الذكر للجنان فيصير ذكر اللسان غفلة في حق أهل هذا المقام كما قال الشاعر

ما أن ذكرتك إلا هم يلعـنـنـيسري وقلبي وروحي عند ذكراك
حتى كان رقيباً منك يهتـف بـيإياك ويحـك والـتـذكـار إياك
أما ترى الحق قد لاحت شواهـدهوواصل الكل من معناه معنـاك


  وقال الواسطي مشيراً إلى هذا المقام الذاكرون في ذكره أكثر غفلة من الناسين لذكره لأن ذكره سواه اه يعني أن الذاكرين الله بالقلوب هم في حال ذكرهم لله بلسانهم أكثر غفلة من التاركين لذكره لأن ذكره باللسان وتكلفه يقتضي وجود النفس وهو شرك والشرك أقبح من الغفلة هذا معنى قوله لأن ذكره سواه أي لأن ذكر اللسان يقتضي أستقلال الذاكر والفرض أن الذاكر محو في مقام العيان قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه حقيقة الذكر الأنقطاع عن الذكر إلى المذكور وعن كل شيء سواه لقوله وأذكر أسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً وقال القشيري رضي الله عنه الذكر أندراج الذاكر في مذكوره وأستظلام السر عند ظهوره وفي معني ذلك أنشدوا

ذكرتك لا أني نسيتـك لـمـحةوأيسر ما في الذكر ذكر لساني
وصرت بلا وجد أهيم من الهوىوهام على القلب بالخـفـقـان
فلما أراني الوجد أنك حاضـريشهدتك موجوداً بكـل مـكـان
فخاطبت موجوداً بغير تـكـلـموشاهدت موجوداً بغير عـيان

وفي هذا المقام يتحقق المريد بعبادة الفكرة أو النظرة وفكرة ساعة خير من عبادة سبعين سنة ولذلك قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه أوقاتنا كلها ليلة القدر أي عبادتنا كلها مضاعفة مع خفائها وتحقيق الأخلاص فيها إذ لا يطلع عليها ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده وفي ذلك قال بعضهم قيل هو الحلاج

قلوب العارفين لها عيونترى ما لا يرى للناظرين
والسنة بأسرار تنـاجـيتغيب عن الكرام الكاتبين
وأجنحة تطير بغير ريشإلى ملكوت رب العالمين

وقد ذيلتها ببيتين فقلت
وأفئدة تهيم بعشـق وجـدإلى جبروت ذي حق يقينا
فإن تردن تباكر ذي المعانيفبذل الروح منك يقل فينا

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق